فصل: تفسير الآيات (1- 2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (22- 23):

{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)}
وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} معناه جَاءَ أَمرُهُ وقضاؤه، وقال منذرُ بنُ سعيد: معناه ظهورُه للخَلْقِ، هنالك؛ ليس مجيءَ نَقَلةٍ وكذلك مجيءُ الصاخَّةِ، ومجِيء الطامةِ، والمَلَكُ اسم جنس يريد به جميعَ الملائِكة، و{صَفّاً} أي صُفُوفاً حولَ الأَرْضِ يوم القيامة على ما تقدم في غير هذا الموضع، و{وَجِاْئ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} رُوِيَ في قوله تعالى: {وَجِاْئ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} بأنها تساقُ إلى المحشر بسبعينَ ألفِ زمَامٍ يُمْسِكُ كلَّ زِمَامٍ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ، فيخرجُ منها عُنُقٌ فينتقي الجبابرةَ من الكفارِ، في حديثٍ طويلٍ باختلاف ألفاظ.
وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان} معناه: يتذكر عصيانَه وما فاتَه من العمل الصالحِ، وقال الثعلبي: يومئذ يتذكر الإنسان أي يتَّعِظُ ويتوبُ، {وأنى له الذكرى}، انتهى.

.تفسير الآيات (24- 30):

{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
وقوله: {ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} قال الجمهور: معناه لحياتي الباقيةِ يريدُ في الآخِرَةِ.
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} أي لا يعذِّبُ كَعَذَابِ اللَّه أحَدٌ في الدنيا، ولا يُوثِقُ كَوَثَاقِه أحَد، ويحتمل المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى لا يَكِلُ عذابَ الكافرِ يومئذ إلى أحد، وقرأ الكسائيُّ بفتح الذالِ والثاءِ أي: لا يعذَّبُ كعذَابِ الكافر أحَدٌ مِنَ الناسِ، ثم عقَّبَ تعالى بذكر نفوس المؤمنينَ وحالهم فقال: {ياأيتها النفس المطمئنة} الآية، والمطمئنةُ معناه: الموقِنَةُ غايةَ اليَقِينِ، ألا تَرى قَوْلَ إبراهيمَ عليه السلام {ولكن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} [البقرة: 260] فهي درجةٌ زائدةٌ على الإيمانِ، واخْتُلِفَ في هذا النداءِ: متى يقع؟ فقال جماعة: عند خروجِ رُوح المؤمِن، ورُوِي في ذلك حديثٌ، و{فِى عِبَادِى} أي: في عِدَاد عِبَادي الصالحينَ، وقال قوم: النداءُ عند قيام الأجْسَادِ من القبور، فقولُه: {ارجعى إلى رَبِّكِ} معناه بالبعثِ، و{ادْخُلِي في عِبَادي} أي في الأجْسَادِ، وقيل: النداءُ هو الآنَ للمؤمنينَ، وقال آخرونَ: هذا النداء إنما هو في المَوْقِفِ عندما يُنْطَلَقُ بأهل النار إلى النار. * ت *: ولا مانِع أن يكونَ النداءُ في جميعِ هذه المواطِنِ، ولما تكلَّمَ ابن عطاء اللَّه في مراعاة أحوال النفس قال: رُبَّ صاحبِ وِرْدٍ عَطَّلَه عن وِرْدِهِ والحضورِ فيه مع ربه هَمُّ التدبيرِ في المعيشةِ وغيرِها من مصالحِ النفسِ، وأنواعُ وَسَاوِسِ الشيطان في التدبيرِ لا تَنْحَصِرُ، ومتى أعطاكَ اللَّه سُبحانه الفَهْمَ عنه عرَّفَكَ كَيْفَ تَصْنَع، فَأَيُّ عبدٍ توفَّر عقلُه واتَّسَعَ نورُه نزلت عليه السكينةُ من ربّه فسكنَتْ نفسُهُ عن الاضْطِرَابِ، وَوَثِقَتْ بِوَلِيِّ الأسبابِ، فكانت مطمئنةً، أي: خامِدَةً ساكنةً مستسلمةً لأحكامِ اللَّهِ ثابتةً لأقدارِهِ وممدودةً بتأييدِه وأنوارِه، فاطمأنَّتْ لمولاَها؛ لعلمِها بأنه يَرَاهَا: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] فاستحَقَّتْ أنْ يقالُ لها: {ياأيتها النفس المطمئنة * ارجعى إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} وفي الآية خصائصُ عظيمةٌ لَها مِنْها ترفيعُ شأنِها بتَكْنِيَتِها ومَدْحِها بالطَّمْأنينَةِ ثَنَاءً منه سبحانه عليها بالاستسلام إليه والتوكلِ عليه، والمطمئنُّ المنخفضُ من الأرضِ، فلما انخفضتْ بتَواضُعِهَا وانكسارِها؛ أثْنَى عليها مولاَها، ومنها قوله: {رَاضِيَةً} أي: عن اللَّهِ في الدنيا بأحكامِه، و{مَّرْضِيَّةً} في الآخرةِ بِجُودِهِ وإنعامِه، وفي ذلك إشارةٌ للعَبْدِ أَنَه لا يَحْصُل له أنْ يكونَ مَرْضِيًّا عند اللَّه في الآخرةِ حتى يكونَ راضِياً عن اللَّهِ في الدنيا، انتهى من التنوير.

.تفسير سورة البلد:

وهي مكية في قول الجمهور.
وقيل: مدنية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)}
قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد} الكلامُ في لا تقدم في {لاَ أُقْسِمُ} [القيامة: 1] والبَلَدُ هو: مكة.
وقوله تعالى: {وَأَنتَ حِلٌّ} قال ابن عباس وجماعة: معناه وأنت حَلاَلٌ بهذا البلد، يحلُّ لك فيه قَتْلُ من شئتَ، وكان هذا يومُ فَتْحِ مكة، وعلى هذا يتركبُ قولُ مَنْ قال: السورة مدنية نَزَلَتْ عَامَ الفتح، وقال آخرون: المعنى وأنْتَ حَالُّ ساكنٌ بهذا البلد.

.تفسير الآيات (3- 10):

{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)}
وقوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} قال مجاهد: هو آدم وجميع ولدهِ، وقال ابن عباس: ما معناه أنّ الوالدَ والولدَ هنا على العمُومِ فهي أسماء جِنْسٍ يَدْخل فيها جميعُ الحيوانِ، والقَسَمُ واقع على قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في كَبَدٍ} قال الجمهور: الإنْسَانُ اسم جنسٍ والكَبَدُ المشقةُ والمكَابَدَةُ، أي: يُكَابِد أمرَ الدنيا والآخرة، ورُوِيَ: أَن سببَ نزولِ هذه الآية رَجُلٌ من قريشٍ يقال له أبو الأَشَدِّ، وقيل نزلتْ في عمرو بن عبد ود، وقال: مقاتل: نَزَلَتْ في الحارثِ بن عامر بن نوفل؛ أذنبَ فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ بِالكَفَّارَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَهْلَكْتُ مَالاً في الكفارات وَالنفَقَاتِ، مُذْ تَبِعْتُ مُحَمَّداً، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ادعى أَنَّهُ أَنْفَقَ مَالاً كَثِيراً على إفْسَادِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ في الكَفَّارَاتِ على مَا تَقَدَّمَ.
وقوله: {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} أي: أنفقْتُ مالاً كثيراً، ومن قال: أَن المرادَ اسمُ الجِنْسِ غيرُ معينٍ، جَعَلَ قولَه: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} بمعنى: أيظُنُّ الإنسانُ أن لَيس عليه حفظةٌ يرون أعمالَه ويُحْصونَها؛ إلى يوم الجزاء، قال السهيلي: وهذه الآيةُ وإن نزلتْ في أبي الأشد فإن الألفَ واللامَ في الإنسان للجنسِ، فيشتركُ مَعَهُ في الخِطابِ كلّ من ظن ظنه وفعل مثلَ فِعْلِه وعلى هذا أكثرُ القُرْآنَ، يَنْزِل في السَّبَبِ الخاصِّ بلفظِ عامٍ يتناولُ المَعْنَى العام انتهى، وخرَّج مسلم عن أبي برزة قَال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِه فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ به، وَعَنْ مَالِهِ، مِنْ أَيْنَ اكتسبه وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»، وخرَّجه أيضاً الترمذيُّ وقال فيه: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، انتهى، وقرأ الجمهور: {لُّبَداً} أي: كثيراً متلبِّداً بعضُه فوقَ بعضٍ، ثم عدَّدَ تعالى علَى الإنسانِ نَعَمَه في جوارِحه، و{النجدين}: قال ابن عباس والناسُ: هما طريقَا الخَيْرِ والشرِّ، أي: عَرَضْنَا عليه طريقَهما، وليستِ الهداية هنا بمعنى الإرْشَادِ، وقال الضحاكُ: النَّجْدَانِ ثَدْيَا الأُمِّ، وهذا مثالٌ، والنجْدُ: الطريقُ المرتفعُ.

.تفسير الآيات (11- 16):

{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}
وقوله تعالى: {فَلاَ اقتحم العقبة} الآية، قولهُ {فَلاَ} هو عند الجمهورِ تحضيضٌ بمعنى: ألا اقتحم، والعقبةُ في هذه الآيةِ عَلى عُرْفِ كلامِ العَرَبِ استعارةٌ لهذا العمل الشاقِّ على النفسِ، من حيثُ هو بِذَلُ مالٍ، تشبيهٌ بعقبةِ الجبَلِ، و{اقتحم}: معناه: دَخَلَهَا وجَاوَزَها بسرعةٍ وضَغْط وشدة، ثم عَظَّم تعالى أمر العقبةِ في النفوس بقولهِ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة} ثمَّ فَسَر اقتحَامَ العقبةِ بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} الآية، وهذا على قراءةِ مَنْ قرأ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} بالرفعِ على المَصْدَرِ وأما من قرأ: {فَكَّ رَقَبَةً أوْ أطْعَمَ} عَلَى الفعلِ، ونَصَبَ الرقبةَ، وهي قراءةُ أبي عمرِو، فليسَ يحتاجُ أن يُقَدَّرَ: وما أدرَاكَ ما اقتحامٌ بلْ يكونُ التعظيمُ للعقَبةِ نَفْسِها ويجيءُ {فَكُّ} بَدَلاً من {اقتحم} ومبيَّناً لَه، وفَكُّ الرقَبةِ هو عَتْقُها من رِبْقَةِ الأسرِ أو الرِّقِّ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعْتَقَ نَسَمَةً مؤمِنَةً أعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ»، والمسْغَبَةُ: المجاعَةُ، والساغِبُ: الجائعُ و{ذَا مَقْرَبَةٍ}: معناه: ذَا قَرَابَةٍ؛ لتجتمعَ الصدقةُ والصلة، و{ذَا مَتْرَبَةٍ}: معناه: مُدْقَعاً قَدْ لَصِقَ بالترابِ وهذا ينْحو إلى أنّ المسكينَ أشَدَّ فاقةً مِنَ الفقيرِ، قال سفيانُ: هم المَطْرُوحُونَ على ظهرِ الطريقِ قُعُوداً على الترابِ لا بُيُوتَ لهم، وقال ابن عباس: هو الذي يَخْرُجُ من بيته ثم يَقْلِبُ وجهَه إلى بيته مستيقناً أنه ليسَ فيه إلا التراب.

.تفسير الآيات (17- 20):

{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}
وقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ} معطوفٌ على قوله: {اقتحم} والمعنى: ثم كان وقتَ اقتحامِه العقبةَ من الذين آمنوا.
وقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} معناه: على طاعةِ اللَّهِ وبلائِه وقضائِه وعن الشهواتِ والمعاصِي، و{المَرْحَمَةُ} قال ابن عباس: كلُّ ما يؤَدِّي إلى رحمةِ اللَّهِ تعالى، وقال آخرون: هو التراحمُ والتعاطُفُ بينَ الناسِ، وفي ذلك قِوَامُ الناس؛ ولو لم يتراحموا جُمْلَةً لَهَلَكُوا، و{الميمنة}، فيما رُوِيَ عن يمينِ العرشِ وهو موضِع الجنَّةِ، ومكانُ المرحومِينَ من الناس، و{المشئمة}: الجانب الأشْأَمُ وهُو الأَيْسَرُ؛ وفيه جهنَّم؛ وهو طريقُ المعذبينَ، و{مُّؤْصَدَةُ} معْناه: مُطْبَقَة مغلقة.

.تفسير سورة والشمس وضحاها:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)}
أقْسَمَ اللَّهُ تعالى بالشمسِ: إما على التنبيهِ منها على الاعتبارِ المؤَدِّي إلى معرفةِ اللَّهِ تعالى، وإما على تقديرِ ورَبِّ الشمسِ، والضُّحَى بالضم والقصرِ: ارتفاعُ ضوء الشمسِ وإشراقُه، قاله مجاهد وقال مقاتل: {ضحاها} حَرُّها كقوله في طه: {وَلاَ تضحى}، [طه: 119] والضَّحَاءُ بفتح الضادِ والمَدِّ: ما فَوْقَ ذلك إلى الزَّوالِ، والقَمَرُ يَتلو الشمسَ من أول الشّهرِ إلى نصفِه في الغروبِ تغربُ هي ثم يغربُ هو، ويتلُوها في النصفِ الآخر بنحو آخرَ وهو أن تغربَ هي فيطلعُ هو، وقَال الحسنُ: {تلاها} معناه تَبَعها دَأْباً في كل وقت لأَنّه يستضيءُ منها فهو يتلوها لذلك، وقال الزجاج وغيره: تلاها في المنزلةِ من الضياءِ والقَدْرِ: لأَنَّه ليس في الكواكبِ شيءٌ يتلو الشمسَ في هذا المعنى غيرُ القمرِ.

.تفسير الآيات (3- 7):

{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)}
وقولهُ: {والنهار} ظاهرُ هذهِ السورةِ والتي بعدَها أن النَّهارَ من طلوعِ الشمسِ، وكذلك قال الزجاج في كتاب الأنواء وغيرُه، واليوم من طلوعِ الفجر، ولا يُخْتَلَفُ أَنَّ نِهَايَتَهُمَا مَغِيبُ الشَّمْسِ، والضمير في {جلاها} يحتملُ أنْ يعودَ على الشمسِ، ويحتملُ أَنْ يعودَ على الأَرْضِ، أو على الظُّلْمَةِ، وإنْ كان لم يَجْرِ لذلك ذِكْرٌ، فالمعنَى يقتضيه؛ قاله الزجاج، وجَلَّى معناه كَشَفَ وضَوَى والفاعل بجَلَّى على هذه التأويلاتِ النهارُ، ويحتمل أن يكونَ الفاعلَ اللَّهُ تعالى، كأنّه قال: والنهارِ، إذ جَلَّى اللَّهُ الشمسَ، فأقْسمَ بالنهار في أكملِ حالاتِه، و{يغْشَى} معناه: يُغَطِّي، والضميرُ للشمسِ على تجوُّزٍ في المعْنَى أو للأَرض.
وقوله تعالى: {وَمَا بناها} وكلُّ ما بعدَه من نظائرِه في السورةِ يحتملُ أَن تَكُوْنَ ما فيه بمعنى الذي قاله أبو عبيدة، أي: ومَنْ بَناهَا، وهو قولُ الحسن ومجاهد، فيجيءُ القسمُ باللَّه تعالى، ويحتملُ أَنْ تَكُونَ مَا في جميعِ ذلك مصدرية؛ قاله قتادةُ والمبردُ والزجاجُ، كأنَّه قالَ: والسماءِ وبنائِها، وطحا بمعنى: دَحَا، * ت *: قال الهروي: قوله تعالى: {والأرض وَمَا طحاها} أي بَسَطَها فأوسَعَها، ويقال طَحَا بِه الأمْرُ أي اتَّسَعَ به في المَذْهَبِ، انتهى، والنفسُ التي أقْسَمَ بِها سبحانه اسْمُ جنسٍ، وتسويتُها إكمالُ عَقْلِها ونظرِها.
الثعلبيّ {فسَوَّاهَا} أي: عَدَّلَ خَلْقَها، انتهى.

.تفسير الآيات (8- 15):

{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
وقوله سبحانه: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي: عرَّفَها طرق ذلكَ، وجَعَلَ لها قوةً يصحُّ معها اكتسابُ الفُجُور أو اكتسابُ التقوى، وجوابُ القَسَمِ في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} والتقديرُ: لَقَدْ أفْلَحَ، زاد * ص *: وحُذِفَتْ اللامُ للطُولِ، انتهى، والفاعلُ ب زكى يحتملُ أَن يكُونَ اللَّهُ تَعَالَى؛ قاله ابن عباس وغيره، ويحتملُ أنْ يكونَ الإنسانَ؛ قاله الحسن وغيره، و{زكاها} أي طَهَّرَهَا ونَمَّاهَا بالخيراتِ و{دساها} معناه: أخْفَاهَا وحَقَّرَها وصَغَّرَ قدْرَها بالمعاصِي والبخلِ بما يَجِبُ وأَصلُ دَسَّى: دَسَّسَ؛ ومنه قول الشاعر: [الطويل]
وَدَسَّسْتَ عَمْراً في التُّرَابِ فَأَصْبَحَت ** حَلائِلُهُ مِنْهُ أَرامِلَ ضُيَّعَا

ت *: قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: ومن عيوبِ النفس الشفقةُ عليها، والقيامُ بتَعَهُّدِها وتحصيلِ مآربِها، ومداواتُها الإعراضُ عَنْها وقلةُ الاشْتِغَالِ بها، كذلك سمعتُ جَدِّي يقول: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسهُ هَانَ عليه دينُه، انتهى من تأليفه في عيوب النفس، ورُوِي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآيةَ قال: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا»، قال صاحبُ الكَلِمُ الفَارِقِيَّةِ والْحِكَمِ الحقيقيَّةِ النفسُ الزكيَّةُ زِينَتُها نَزَاهَتُها، وعافيتُها عِفَّتُها، وطَهَارَتُها وَرَعُها، وغِنَاها ثِقَتُها بمولاها؛ وعلمُها بأنَّه لا ينساها، انتهى، ولما ذَكَر تعالى خَيْبَة مَنْ دسَّى نفسَه؛ ذكرَ فرقةً فَعَلَتْ ذلكَ ليعتبرَ بهم، وينتهى عن مثلِ فعلِهم، والطَّغْوَى: مصدرٌ وقال ابن عباس: الطغوى هنا العذابُ. كذَّبُوا به حتَّى نَزلَ بهِم ويؤيدُه قولُه تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5] وقال جمهورُ من المتأولين: الباءُ سببيةٌ والمعنى: كَذَّبتْ ثمودُ نبيَّها بسبب طُغْيَانها، و{أشقاها}: هو قدار بن سالف، وقد تقدم قصصُهم، * ت *: و{نَاقَةَ الله وسقياها} قيل: نَصْبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ تقديرُه احْفَظُوا أو ذَرُوا، وقال * ص *: {نَاقَةَ الله} الجمهورُ: بنصبِ {نَاقَةَ} على التحذيرِ أي احذرُوا ناقةَ اللَّهِ، وهو مما يجبُ إضمارُ عامِله، انتهى، و{دَمْدَمَ} معناه أنْزَلَ العذابَ مُقَلْقِلاً لهمْ مكرَّراً ذلك، وهي الدَّمْدَمَةُ، الثعلبيُّ قال مؤرج: الدمدمةُ أهلاكٌ باستئصالٍ، انتهى، وكذلكَ قال أبو حيانٍ، وقال الهروي: قال الأزهريُّ: {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أي: أطْبَقَ عليهم العذابَ، وقيل {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ} أي: غَضِبَ عليهم، انتهى.
وقوله تعالى: {فَسَوَّاهَا} أي فَسَوَّى القبيلةَ في الهَلاَكِ؛ لَم يَنْجُ مِنْهم أَحَدٌ، وقرأ نافع وابن عامر: {فَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} والمعنى: فَلاَ دَرَكَ عَلَى اللَّهِ تعالى في فعلهِ بهم؛ وهذا قول ابن عباس والحسن، ويحتملُ أنْ يكونَ الفاعلُ ب {يَخَافُ} صالحاً عليه السلامُ أي: لا يخاف عُقْبَى هذه الفعلةِ بهم؛ إذ كَانَ قَدْ أنذَرهم، وقرأ الباقون: {ولاَ يَخَافُ} بالواوِ فَتَحْتَمِلُ الوجهينِ، وتحتملُ هذه القراءةُ وجْهاً ثالثاً: أنْ يكونَ الفاعلُ ب {يَخَافُ} المنبعثَ؛ قاله الزجاجُ والضحاكُ والسدي، وغيرُهم، وتكون الواوُ واوَ الحالِ، كأنّه قال: انْبَعَثَ لِعَقْرِهَا وهُو لاَ يَخَافُ عُقْبَى فِعلِهِ.